إلى عينيكِ يا حلوة

مخيم عين الحلوة من سطح دار جدتي.

إلى التي زرعت وطنًا في مخيم مهترىء..أحبكِ!

 

ليال كثيرة قد مضت، غابت الشمس أكثر من مرة، نام الجميع تسع مرات، عددتها! ولم يكن بإستطاعتي بعد أن أستجمع قواي وأراسلك..

اللعنة يا تاتا!

انقسم المخيم..

وها هو الجدار يرتفع شيئًا فشيئًا حتى يستيقظ النيام ذات صباح ويدركوا أن ضوء السماء ما عاد يصل أسقف الزينكو البسيطة تلك – كانت يومًا تحميكم من الغرق-، لقد حجبوا عنكم الحياة!

ولا تسأليني، لو كنت أدرك من هم حقًا لأخبرتك، لكني والله لا أعلم..

صدقيني هذه المرة فقط.

كانت قد وصلتني الأخبار حول وعكتك الصحية الأخيرة، وكنت قد طلبت أن أسمع أنفاسك البطيئة، لكن الأجهزة التي أعادتك للحياة فصلت بيننا هذه المرة، في تلك اللحظة لم أغضب، كنت يقينة من أنك ستعوضيني عنها آلاف المرات فيما بعد.

الأخبار السيئة تلاحقني من كل مكان مع نهاية العام، ولتعرفي الآن أنني أخشى عليكِ منها.

أرى أن المخيم ما عاد قويًا، ما الذي يحل بشعب الخيام؟

ولأنني أحببت المخيم بعدد السنون التي أخبرتني فيها، عن اللحظات الكثيرة التي استغرقتها لتنقلي وطنًا بأكمله في خيمة واحدة، أطلب منكِ ألا تفلتي يدي الآن.

الأمور لا تبدو على ما يرام، وأنا لا أريد أن يمحى كل شيء دفعة واحدة.

ماذا لو أخذتني أقدامي إلى هناك مجددًا؟

كنا قد اتفقنا أن حكاويكِ من ستدلني للتعرف على أماكن الأشياء..

ما الذي تبقى لنا الآن؟

حواجز من الجهات الأربع

وجدار

هذا كل شي!

-هاتي يدك-.

الخبز يصنع الأوطان

في غربتي..
الطقس شديد الحرارة
قلبي يشتعل وأطرافي لم تعد تثق بي مجدداً
قررت ظهراً أن أنهي تقاريري على عجلة، وأن أمتلك الوقت حتى أطرافه في يومي هذا
كل شيء نحبه نملك له الوقت، وهذا ما لا يستوعبه من نحاول أن نترك بيننا وبينهم بضع مسافات
ورغم أنني أحب عملي، إلا أنني أحب أن أصنع من الطحين فلسطين لي، أن أشكل من العجين تلك القرى التي أنسى كثيراً  اسمها
قد تكون رائحة الوطن معلقة بأولئك الذين يعودون إليه بعد أعوام، لكن ما بالي أنا أشتم رائحة الوطن بخبز التنور وقرصه والصاج والكماج!
أنهك نفسي حتى آخري، أسرع كثيراً في اللحظات الأخيرة لأنهي ما ورط نفسي به- كما هي عادتي-، أخرج سريعاً لأمشي.. كل الاتجاهات ستعيدني من حيث أتيت، أعلم ذلك، لكني مجدداً لا أعلم لما أنا هنا حتى الآن؟
لا بقعة تحتضنني، والمهام لا تنتهي، والروتين رغم أنني أتقنه إلا أنه لا يصنع لي من الخبز وطناً..
أذكر يوم أخبرتني الأفلام الوثائقية والحكايات التي لازالت تسردها لي جدتي، كيف كان لرغيف الخبز قوة مبهرة في سد جوعنا، وعواطفنا..
كيف كنا نصنع من الخبز بيوتاً، وفي الكثير من الأحيان رجالاً!
ومنه أيضاً.. كنا نهرب من الحرب، نخبئ الكثير من الطحين.. كنا نتقاسم الرغيف في كل مرة نجتمع فيها لنأكل.. وما خيل لنا أننا سننقسم يوماً بعدها ..
لم أعش تلك اللحظات، أنا في غربتي، والطقس يشتد حرارة في كل مرة أفكر فيها أن أحدث نفسي، قلبي يشتعل، ومع هذا أجيد صناعة الخبز جيداً، كما أجيد الكتابة.. لا وجهة لكتابتي هذه وربما.. هي بلا معنى!
فلسطين.. أخشى أنني لم أعد قادرة على التكتم.. أني أراك في المرمية.. في الخبز .. في الطحين..

وأخشى أيضاً أنني سأنسى قريباً تلك التفاصيل، وفي غربتي أصنعك.. في غربتي حيث الطبيعة التي تتآمر على أن لا ترحم أحداً

حدثيني، ما الذي تريدينه؟ أما عني، فأنا أريدك، لقد اخترتك قبل هذا منذ وقت طويل
فكري جيداً مازال المساء طويلاً..

(الخبز أصبح بارداً..)

 

*الصورة المرفقة بعدسة المصور: واجد النوباني – فلسطين- قرية اللبن الشرقية 6 مارس 2015.