by

الخبز يصنع الأوطان

في غربتي..
الطقس شديد الحرارة
قلبي يشتعل وأطرافي لم تعد تثق بي مجدداً
قررت ظهراً أن أنهي تقاريري على عجلة، وأن أمتلك الوقت حتى أطرافه في يومي هذا
كل شيء نحبه نملك له الوقت، وهذا ما لا يستوعبه من نحاول أن نترك بيننا وبينهم بضع مسافات
ورغم أنني أحب عملي، إلا أنني أحب أن أصنع من الطحين فلسطين لي، أن أشكل من العجين تلك القرى التي أنسى كثيراً  اسمها
قد تكون رائحة الوطن معلقة بأولئك الذين يعودون إليه بعد أعوام، لكن ما بالي أنا أشتم رائحة الوطن بخبز التنور وقرصه والصاج والكماج!
أنهك نفسي حتى آخري، أسرع كثيراً في اللحظات الأخيرة لأنهي ما ورط نفسي به- كما هي عادتي-، أخرج سريعاً لأمشي.. كل الاتجاهات ستعيدني من حيث أتيت، أعلم ذلك، لكني مجدداً لا أعلم لما أنا هنا حتى الآن؟
لا بقعة تحتضنني، والمهام لا تنتهي، والروتين رغم أنني أتقنه إلا أنه لا يصنع لي من الخبز وطناً..
أذكر يوم أخبرتني الأفلام الوثائقية والحكايات التي لازالت تسردها لي جدتي، كيف كان لرغيف الخبز قوة مبهرة في سد جوعنا، وعواطفنا..
كيف كنا نصنع من الخبز بيوتاً، وفي الكثير من الأحيان رجالاً!
ومنه أيضاً.. كنا نهرب من الحرب، نخبئ الكثير من الطحين.. كنا نتقاسم الرغيف في كل مرة نجتمع فيها لنأكل.. وما خيل لنا أننا سننقسم يوماً بعدها ..
لم أعش تلك اللحظات، أنا في غربتي، والطقس يشتد حرارة في كل مرة أفكر فيها أن أحدث نفسي، قلبي يشتعل، ومع هذا أجيد صناعة الخبز جيداً، كما أجيد الكتابة.. لا وجهة لكتابتي هذه وربما.. هي بلا معنى!
فلسطين.. أخشى أنني لم أعد قادرة على التكتم.. أني أراك في المرمية.. في الخبز .. في الطحين..

وأخشى أيضاً أنني سأنسى قريباً تلك التفاصيل، وفي غربتي أصنعك.. في غربتي حيث الطبيعة التي تتآمر على أن لا ترحم أحداً

حدثيني، ما الذي تريدينه؟ أما عني، فأنا أريدك، لقد اخترتك قبل هذا منذ وقت طويل
فكري جيداً مازال المساء طويلاً..

(الخبز أصبح بارداً..)

 

*الصورة المرفقة بعدسة المصور: واجد النوباني – فلسطين- قرية اللبن الشرقية 6 مارس 2015.

 

Write a Comment

Comment