by

فتش عن إنسانيتك

” تعا ع المخيم لتشوف إنسانيتك”

أحياناً كثيرة يلعب المكان كما الزمان دوراً كبيراً وجديداً في بروز إنسانيتنا.

قد نقبل ما لم نتخيله، وقد نرفض ما كنا يوماً مستعدين لتخيل أنفسنا به، كل شيء قد يتبدل في اللحظة التي تستيقظ فيها الإنسانية في داخل كل إنسان منا.

لكن عين الحلوة، تلك البقعة التي تحيطها من كل الجهات معاناة لا يستطيع المرء أن يتخيلها أبداً، تستطيع بكل بساطة أن تحدد مدى عمق إنسانيتك من خارج أسوارها.. من ذلك الحاجز الذي يحد عن يمينه وشماله صفاً من السيارات التي تنتظر نهارها تحت حرارة الشمس وعطل المكيفات لتتمكن من الوصول إلى نقطة الرجل العسكري، “هويتك إزا بتريد”.. عبارة يحفظها أهل المخيم أكثر من حفظهم لأسماء أبنائهم أو أسمائهم الشخصية إن أردنا الوصف بإنصاف!

عبارة، لا يستطيع أن تمضي يومك إلا بسماعها، ربما يكون ذلك للعالم نقطة  ايجابية لصالح الحكومة اللبنانية لكنها في أرض الواقع، ماهي إلا عقبة على شعب “تعتر جوى وبرى”.

تخيل أن تمنع من دخول باب بيتك بلا إذن مسبق من جيرانك مثلاً، الأمر مقزز بالفعل!

صحيح، أن المخيم يحمل الكثير من التفاصيل المنهكة والسلبيات التي شوهت من جمال شعبه حد تفككه بين الأحزاب، إلا أنه يجتمع في نهاية الأمر تحت الهم الفلسطيني، هم العودة، وهم الكرامة التي فقدتها عائلاتنا في الداخل.

لا عمل للفلسطيني، ولا تمليك له.. بالرغم من أنه يريد العودة لأرضه، لا حتى جوازات سفر تساعده على التنقل بحرية أكبر.

كلها سياسات، وكلها في مصلحة الشعب الفلسطيني تفرقت!

حتى أصبح الموت أسهل مايكون لديهم، تمرض فتدخل المستشفى فتعجز عن الدفع ثم تتمدد على السرير حيث أصوات المارة تثير فضولك للتنصت، وتدفن حيث أنت، لا فاتورة تم دفعها ولا ورقة دفن تمكن ذويك من استخراجها.

لا إكرام للإنسان الفلسطيني ميتاً كان أم حياً داخل مخيم عين الحلوة، السبب قد تعرفه من قطة مارة أو كلب شارد ضال، قد تسمعه من الباعة في الشارع الفوقاني بسوق الخضار، أو من احدى الفتيات اللواتي تركن الدراسة مبكراً للإلتحاق بدورة تصفيف شعر لمساعدة أهلها.

قد ترى الاجابة من غير أن تنطق سؤالك، بين أعين الفتاة الشقراء التي قد لا يتجاوز فرق العمر بينها وبين أمها بضعة سنوات، أو برائحة العرق من جارك الذي ندم لاحقاً على “خلفته” التي لم تأتي إليه إلا بأوتار صوتية جبارة من زوجته كل صباح.

كل شيء مكشوف هناك، كل شيء واضح لا يحتاج إلى بحث كي تستخرج منه ماتريد، حتى أسلاك الكهرباء.. أينما مشيت ستجدها فوقك، حتى في “الزواريب” والأزقة الضيقة جداً، ستجد لك إجابة لكل سؤال سيخطر في بالك، لأن بحثك عن إجابة لن يتطلب منك إلا تأمل كل ما حولك ومن حولك.

في تلك البقعة، التي اشترت للفلسطينيين ببضع أوراق وتوقيعات، وتركت لهم ليدفعوا ثمنها بأنفسهم إلى اليوم..

ستتمكن أن تتعرف على حجم انسانيتك.. وتستسلم في نهاية الأمر للعجز الذي سيلحق بك!

Write a Comment

Comment