by

من في عين الحلوة؟

 

من في عين الحلوة إلا .. لا أحد!

صدقاً، لا أحد هناك.. فقط لا أحد

لا قطة ضالة، لا صوت عواء لكلب يحتضر

لا زجاج تفتت في شجار شبابي وبقي ليجرح أقدام الأطفال

لا روائح نفايات هنا وهناك

لا زواريب قد لا تحمل أطرافك الزائدة وتعلق في منتصفها يوم قررت أن تخاطر لتعبر إلى الضفة الأخرى!

لا حواجز تسألك عن هويتك، لأنها مطبوعة في طرف ياقتك “الممزوعة” وفي جيبك الواسع الذي لا يحتضن سوى عشرة آلاف ليرة، أجرة يومك، بعد أن نسيت أن هناك حياة في الخارج، أصبحت تمسك بها كل مساء وأنت تقبل بلاط منزلك، شاكراً الله، متمتماً: الحمدلله- طعميتنا من خيرك، لا تعوزنا لغيرك-.

تنظر إلى زوجتك التي لا تستطيع أن تعرف كم بحراً يحد أطراف بقعتها، ولا هيبة صخرة الروشة التي تراها على التلفاز تارة وفي بطاقات بريدية تارة أخرى، “حرمت” أن تخاطر على الحاجز مجدداً، يوم مسكت يدها وأخبرتها أن الله هنا، نامت بعدها ليلة كاملة في غرفة كلها أسود، وبابها من قضبان حديدية.

كانت تئن الليل بطوله وهي تردد بصوت يكاد أن يكون همساً: الله الله تعال بسرعة، الغرفة باردة، ونسيت جواربي في المخيم.

يسألها المحقق صباحاً: لماذا لا تملكين هوية؟

  • لا أعرف، كانت لدي أوراق، صورة عنها، منذ أعوام كانت تحمني وكنت لا أتحملها، اليوم لا تحمني، وعلي أن اتحمل أنها لا تفعل وأني في صراع، وأنني لا هوية لي، وأنني لا وطن يحميني، وأننا لا مكان لنا!

 

أذكر جيداً الدمعات التي هربت سريعاً من ختيار يقطن في “الشارع الفوقاني” وهو يدفع بأبنائه واحداً تلو الآخر للهجرة إلى ألمانيا، أذكر كيف شهق في محاولة منه لأن لا يبكي على طرف الهاتف وهو يردد: الله معك يا ابني، ناطرينك طول العمر.

يغلق الهاتف ليدخل في نوبة بكاء، يبكي كل ما يحيط به إلا الوطن، والوطنيون، والمواطنون، وعلى رأسهم، المرأة التي نسيت جواربها في المخيم، فماتت من البرد، وهي تفكر ما الذي ستجيبه إذما سألها غريب: من أنتِ؟ من أين أتيتِ؟ حسناً..فقط ارحلي!

  • إلى أين؟
  • إلى البقعة التي لا ترفضك..
  • العالم لم يحبنا (تصرخ) ثم تقع أرضاً، وفجأة: تموت!

 

تأتني جدتي من بقعة بعيدة جداً، تجلس بجواري، تارة أقبل كفها وتارة أحتضنه وتارة أنظر إلى عينها، وأقول: لماذا خرجتم؟

يحضر صوت أمي من بعيد، تصيب في كلماتها والدتها – أي جدتي- ، وتتمتم: ليتكم متم، وراحت ملامحكم، واختفت اسمائكم، وأصبحتم أرقاماً، وأسطراً في كتاب تاريخ، ولم تخرجوا!

لقد خرجتم لتبحثوا لكم عن حياة، لتجدوا لأنفسكم سبباً لمحاولة العيش مجدداً، خمني ما الذي حدث؟

67 عاماً، أجيال تأتي وأخرى ترحل، تحفظ التاريخ جيداً، وأسماء الله الحسنى أيضاً، وتعرف أنها لا تريد أن يبقى الحال على ما هو عليه، جزء انتحر ، منهم من أصبح من الشهداء.. جزء هاجر وبنوا لأنفسهم وطناً آخر، وجزء في الداخل يصارع هوية البقاء، يوم يسألونهم في المدارس: ما عاصمة فلسطين؟

ليجيبوا وفقط: “القدس الشرقية”.

Write a Comment

Comment