by

فلسطينية ذويقة للزيتون

 

لطالما شاهدتها تحرص على اعطاء ملاحظات علنية لنساء العائلة حول كيفية اقتناء الزيتون، والطعم الأصلي الذي من المفترض أن يكون عليه ليتأكدن أن الزيتون من بلادنا البعيدة.

جدتي في موسم الزيتون!

تسرد لي دائماً قصتها مع جدي الذي كان يكبرها بنحو عشرين عاماً، وقد كان قريبها قبل أي شيء..

“ازا برجع عفلسطين بخبركم كل كروم زيتون لدار مين، بعدني حافظة تعون دارنا ودار خالي أبو جدك الله يرحمه”

خرجت من فلسطين لشهر عسل بعد زيجتها وهي ابنة الأربعة عشر عاماً، تقول دائماً بأن خروجها الى لبنان كان بمثابة شهر عسل ولكن جمع معها فلسطين بأكملها، “طلعت شهر عسل وأخدت فلسطين كلها معي”.

تخبرني عن حكاوي تحويش محاصيل الزيتون الموسمية، تناوبها هي وجدي للذهاب إلى بساتين لبنان في الجنوب، رغم الشتات واللجوء، واجتياحات تكررت كثيراً طالت الفلسطنيون واللبنانيون على حد سواء، كلاهما كانا ضحية لكراهية الطرف الآخر، ولأن جدتي صفدية، لم تتخلى عن غرس فلسطين في بقاع عين الحلوة، فمن التين والعنب والتوت والمشمش كانت فلسطين حاضرة طيلة سبعة وستون  عاماً في أكبر مخيمات لبنان.

انجبت جدتي فيهن من الأبناء احد عشر، وحصدت من أحفاد الأحفاد عائلة ضخمة يزيد عدد أفرادها عن الخمسين، شاخت الأشجار، وعلى فقدان جدي كبير العائلة حزنت حتى تيبست أضلعها، الا التين، وعادة تحويش الزيتون وتحويله من عجر إلى مكبوس.. حامض وحار وحلو، وشهي حد فلسطين التي لم تمحى داخل جدران منزل كبر وبين زواياه.. بقيت فلسطين في الغربة حاضرة!

مازلت جدتي وهي ابنة التسعون عاما تذكر فلسطين كثيرا، تبكي عندما تسمع عتابات ابو عرب، وتسرح بعد ان تتذكر كيف خرجت من بيتها والجميع من حولها يؤكدون لها ان خروجهم ماهو الا حل مؤقت، وان العودة بعد يومان فقط..

لم ينتهي اليومان بعد، ولا احد يعلم متى تأتي الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل ليأذن الله أن يدفن الفلسطينيون اللاجئون في أرضهم!

جدتي التي لم تلحق بمدارس الرأس الأحمر، تعلم جيداً أن فلسطين تعني وطن، وأننا لوطننا لراجعون.

تقص علي العديد من الحكاوي، لأعدها بأنني سأدونها يوماً، كانت ترفض الفكرة، وبعد أن تيقنت أن ماتبقى لنا من بلادنا البعيدة مجرد حكاوي- نحن أصحاب الوثائق- ابتسمت، لتعطني الضوء الأخضر كي أكتب.. وأشرح لما لم يسقط بعد غصن الزيتون من أيدينا!

 

جدتي.. من النساء الفلسطينيات الذويقات للزيتون!

 

*الصورة المرفقة بعدسة الفنانة التشكيلية: مريم غانم – لبنان -عيناتا 2015.

Write a Comment

Comment