by

عين الحلوة تبكي شبابها المهاجر للبحث عن وطن

مرة قرابة الثمانية أعوام منذ أن التقيته آخر مرة، أسامة.. ذاك الشاب فاره الطول، ذو الابتسامة الخجولة وحركات الجسد التي تفضح قلة خبرته في التعامل مع النساء من حوله.

يشبه في طلته كافة شباب المخيم، بدءاً من بلوزة “الشباح” الذي يلبسها على الدوام لتبرز عرض كتفيه، وصولاً بالبنطال الذي يزين أطرافه السفلية بعضاً من الخيطان البيضاء، أحياناً تدل على الموضة وفي الكثير من الأحيان الأخر تدل على عمر السنوات التي تصادق فيه أسامة مع بنطاله دون أن يشتكيه أو يعرضه على أحد لتجميل أطرافه.

كان راضياً وقنوع، ولم يبدو عليه أبداً الطموح والجرأة التي أوصلته إلى ايطاليا عبر البحر، البحر ذاته الذي ابتلع ساجد بعد الحرب على غزة، وهو ذاته الذي لم يشبع من دم الفلسطينيين في محيطه وبقاعه، بل بات متعطشاً كلما شم على بعد أمتار رائحة الدم المنبعثة من تفاصيلهم كافة.

كان وفير الحظ، على غير عادة، استطاع أن يصل حيث أراد وان كانت الهجرة الغير شرعية هي المنفذ الوحيد ليكون ولو لمرة في حياته ابن المخيم الذي سيقص على الملأ قصته، ربما لم يكن فالحاً في الكتابة، أو في الحديث، لكن الفلسطيني يكفيه أن يبكي مرة أو يصرخ على الهاتف حنيناً وهو يردد “كيفك يابا كيفك يما” ليعرف المارة أن لهذه النبرة..الكثير من الحكايات والقصص!

 

أتذكر كم من مرة وبخته على جلوسه الطويل أمام عتبت منزل جدتي، أو صوته المرتفع وهو يتجادل مع والدته في المسألة ذاتها كل ليلة وهو تأخره لنصف ساعة عن الموعد المحدد الذي تغلق فيه والدته بوابة المنزل.

لا تبدو عليه المشاكسة، كما لا يبدو عليه الهدوء دائماً، لا أعلم تحديداً ما الذي يفعله في الغربة، وما قصة صورته وهو يكنس أرضية أحد البيوت بفانلته البيضاء، تراه أكان يحتفظ كغيره من الشباب العرب ببعض من الصور التي سيتفاخرون يوماً بها مع مطبات غربتهم واعتمادهم على نفسهم الذي تحتم عليهم دون استئذان، أم أنه التقطها في مكان عمله، المنفذ الوحيد ليعيل نفسه حتى يستطيع أن يعيل بدوره عائلته؟

حقيقة لا أعلم، كل ما أتذكره حول اسامة، جل الشعر الكثيف، وسيجارته التي كان يتناوب على سحب أنفاسها هو وأحمد ابن عمه.. والإختلاف الشاسع بينه وبين أخيه البكر الذي فاز بفرصة اكمال جامعته في لبنان ولم يفز يوماً بأن يكون الأخ الأصغر..ليغلق البحر فمه ويسمح له بالمرور دون غدر هذه المرة!

 

 

Write a Comment

Comment