by

سعادة التي سميت بغير حالها

من الجميل أحياناً أن يخرج المرء عن تلك القوقعة التي ولد فيها، أن يوسع حدوده أو ينجرف حد تكسير تلك الحواجز التي قيل عنها يوماً “خطاً أحمراً”، كما العادات والتقاليد في البقع العربية..

هكذا كانت ترى سعادة نفسها، وربما لأن كل ممنوع مرغوب، لم ترى في كل الممنوع حراماً بل كانت تجده شيئاً من حق نفسها طالما أنها رغبت به يوماً ما.

وقبل أن تكمل عامها الثامن عشر، فقد عذريتها.. في ذلك المخيم الذي كان يرى في شعر الفتاة اجراماً، وفي صوت خلخالها ضياعاً لسمعة العائلة بأكملها.

فقدتها، ولأنها ولدت في عائلة لا تجرؤ على سماع صرخات ألمها، قرروا أن يستروا عليها بآخر تربى على أنه لم ينال من نساء المخيم إلا واحدة ناقصة!

فكانت سعادة، بنواقصها المجتمعية والدينية، فتاة كاملة في عيناه، تزوجها حتى أنجب منها ابناً وثلاثة فتيات، وخيانة لم يرتب لها مهدئاً أو مبرراً..

خانته في ليلة وضحاها، بعقد زواج شرعي، وهروب على مرأى الجميع، وتزوجت من ابن أخيه الذي فقد زوجته في مخاضها وفقد معها طفله الذي انتظره كثيراً حتى يحقق كل شيء في “الحلال”.

لعلها أغرته، أو أنه فعلاً أحبها، لا أحد يعلم تفاصيل هذه الرواية بدقة لأن سعادة لم تكن تعطي الجميع ما يريدون سماعه، كانت ذكية في ترك الكثير من التفاصيل مغيبة، وفي سرد الحقائق الناقصة، حتى لا يقال عنها شريفة وحتى لا تنعت يوماً بالعاهرة..قررت أن تمت وترحل عن الدنيا بلا مسميات أو ألقاب.

تزوجت بابن عم زوجها، وهربت، لم تفعل عائلتها شيئاً أيضاً، كان والدها متوفي، ولعل هذا السبب هو الذي دفعها لفعل الكثير دون أن تبالي لشرف العائلة كما كانوا يصفون الأمر، وبعد زيجتها الثانية، توفيت والدتها ولا أحد يعلم ما كان في قلبها من موقف سعادة.

ولعل سعادة، لم تعطي الرب حقه في كل مغامراته تلك، وكانت أبعد منه عما كانت تعتقد، تركها تعبث كثيراً طيلة مراحل حياتها، وقبل أن تشيخ، علمها بأن حرق قلوب الأبناء هو تماماً كحرق قلب العاقر عندما ينتفخ بطنها بحمل أسموه “كاذباً”.

مرضت بالسرطان، نسيت الجميع من حولها، أخبرتهم أنها تريد أن ترى الصغرى فيهم.. اهدتها بعد معاناة سلسلة من الذهب الخفيف، اسمتها فرح، وتركت فيها كل ملامحها، كل تحدياتها، واصرارها على أن في المخيم داخل البقعة الصغيرة جداً كان يوجد انسانة، اخطأت كثيراً ولم تمت برصاص حي، ولا باستئصال جذري وتبري، لأن أهلها عرفوا الله جيداً وتركوا له حرية العقاب.

رحلت، واورثت بناتها الثلاثة، سمعة جيداً جداً، كلما سمع أحدهم اسما لاحداهن صرخ ” بنت امها”، حتى نقلت الصغيرة بعضاً من تلك المغامرات، تطلقت مرة، لتتزوج من زوج أختها.. وترحل تاركة خلفها رسالة لأبيها لا يعلم مافيها أحد، ولا يعلم ما الذي دفعها لذلك، أهددها الشاب، أم أنها قررت أن تهدد حياتها بيدها قبل أن تصبح عصفورة في قبض سجانِ ما!

 

Write a Comment

Comment